رياض البكري

رياض البكري
صورته عام 1970

الأحد، حزيران ٢٤، ٢٠٠٧

دعابات رياض الشعرية أثناء كتاباته للشعارات

أخي خلدون
الذكريات كثيرة جداً وهي زاد لمن أصبح على مشارف الستين فحاضرنا علقم وليس لنا الا إجترار الماضي وأيامه الحلوة لما تبقى من زمن نبقى فيه على قيد الحياة ولا أقول نعيشه لأننا لانعيش
We are not living .. we are surviving
هذه مقولتي منذ عقدين ويزيد
على كل حال فقد أثار في ماكتبت عن رفيقي الذي كنت وإياه في خلية واحدة ذكريات كثيرة منها عندما كنا نكلف بكتابة الشعارات على الجدران وكيف كنت أمزح معه حول وضع الحركات على الكلمات عندما كانت تقترب منا سيارات الشرطة أو الأمن وهو يستعجلني ومنها عندما حامت حولنا إحدى سيارات الأمن فجرينا بأقصى مانستطيع قافزين الى باص المصلحة وعلبة السبري الأحمر لازالت بيدي وغير ذلك كثير
لقد تذكرت بعضا من أبيات الدعابة لرياض وأظنها كانت
أقسمت بالوطن الجريح
أقسمت بالشعب المكافح
أقسمت بالفقراء
بالبؤساء بالعمال
بكل فلاح وكادح
أقسمت إلا أن تردد غنوتي
.
.
حمدية صالح

موضوع عن رياض البكري ارسل بالبريد من دون اسم كاتبه

عادل عبدالمهدي المنتفجي:


عادل وهو ابن العميل المعروف عبدالهادي المنتفجي الوزير المرتبط بالأستعمار البريطاني الذي ذاع صيته آنذاك كأكبر لص في زمانه حيث ارتبط اسمه بسرقات المنتفج الشهيرة وفي هذه الحالة سينطبق عليه المثل القائل بشئ من التغيير "إبن اللص عوام" لأنه هو نفسه عادل عبدالمهدي قد بدأ عمله اللصوصي المكشوف بعد تسنمه وظيفة السكرتير الثاني في السفارة العراقية ومن خلالها بباريس عام 1967-1968 أي بعد4 سنوات تقريباً من سقوط انقلاب 8 شباط 1963 الذي اشترك هو بتنظيمه وتنفيذه والمساهمة بجرائمه وكان هو من بين القلائل الذي كانوا يحيطون علماً بساعة صفره وحسب ذلك انه كان ينبغي ان يكون من المقربين لعلي صالح السعدي رئيس وزارء الأنقلاب الذي أعلن بنفسه بعد سنوات عن مجئ هذا الأنقلاب بقطار أمريكي وعلى هذا المنوال انه سيكون هو أيضاً في المحيط ذاته الذي شكل قيادات هذا الأنقلاب بمستوياتهم المختلفة ضمن العلاقة بالـ cia التي دبرته وساعدت بعمليات تنفيذه ثم فيما بعد بالأنقلاب عليه عبدالسلامعارفياً تحت واجهة القوميين العرب وتحت هذه الواجهة انضم هو إلى وزارة الخارجية العراقية في مرحلة عبدالرحمن عارف ولم يخرج منها إلا بعد اصطفافة مع الموقف الأيراني الرسمي فيما يتعلق بأتفاقية ترسيم الحدود المعلقة بين العراق وإيران ... وحسب طبيعته الوصولية التي وفرت له امكانية الأنتقال من موقف إلى موقف آخر مضاد له تماماً سرعان ماوجدناه ينشد ضالته لدى جناح القيادة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي تحت ظل قيادة ابراهيم علاوي بعد يأسه من المنظمة الثورية التروتسكية التي كان الجلاد المعروف قيس السامرائي وهو نفسه عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية الديمقراطية المعروف حالياً بأسم قيس عبدالكريم أحد أبرز قياداتها وخروجه منها.وبسبب ديكاتورية ابراهيم علاوي وتمسكه بأموال السرقات الكبيرة التي قام بها بعض اللصوص المحترفين كأبي دعير وعبرها بشركة القيادة التجارية لم يجد ماكان ينشده عندها فعمل بعيد اتفاقية الجزائر على التواطؤ مع الجحش المعروف المجرم جلال الطالباني ليعمل وإياه على شق القيادة المركزية أثناء اقامتهما في دمشق حيث التقى هو وعبدالحسين الهنداوي وملا ناطور والشاعر رياض البكري وكاكا أنورالذي اغتيل وعبدالرحمن قاسملو عام 1989 في النمسا على أيدي الأستخبارات الأيرانية كل من مكان اقامته حول هدف واحد وأغراض مختلفة غير منتظمة اتخذت في البدء مظهراً أديولوجياً مثلته وحدة القاعدة التي ولدت مفتقرةً إلى القاعدة وشكلت نفسها من قيادات فحسب كان الوحيد المخلص لنفسه من بينها هو الشاعر رياض البكري الذي عمل الجميع على تصفيته وقد نجحوا بأستدراجه إلى بغداد في النصف الأخير من عام 1975 بحجة اعادة بناء الحزب ولم يجد هناك بأنتظاره سوى مجموعة من الجلادين ظلت تراقبه لأيام تنكر له فيها أقرب أصدقاءه كـ ........ " نحتفظ بأسمه في مكان خاص للتأريخ" وانتهت بألقاء القبض عليه في محطة الباصات حيث كان ينتظر الحافلة المسافرة إلى الشام للعودة إلى بيروت عبرها بالهوية ذاتها التي وصل بها إلى بغداد والتي كان مصدرها وتفاصيلها معروفة من قبلهم بما فيها اسمه الحركي: ابو نضال وهو الأسم نفسه في هويةٍ أخرى كنت قد دبرتها له أيام كنت في بيروت وحملتها أحدى الوفود الفلسطينية معها إلى بغداد ليخرج وإياها في بداية عام 1974 هارباً من قبضة موت محقق كان يتربص به بعد خروجه من السجن ببغداد حيث أمضى في غياهبه شهوراً طويلةً .وحيث أُعدم مباشرةً في بغداد التقى ملا ناطور ممثلاً عادل عبدالمهدي بعض أقطاب الحكم للتفاوض حول امكانية العمل المشترك وبتشجيع من المجرم جلال الطالباني الذي كان يبتغي من وراء ذلك جس النبض حول امكانية قيام جبهة وطنية بديلة لتلك التي عقدت مع الحزب الشيوعي العراقي.

السبت، حزيران ٢٣، ٢٠٠٧

رسالة الى ميت 1 .الى الشهيد رياض البكري ..

رسالة الى ميت 1

الى الشاعر الشهيد رياض البكري

خلدون جاويد

مر على اعدامك حتى الآن خمسة وعشرين عاما ... نشف الدمع من قلبها الأمومي وربما مات بالرعب ذلك الأشم والدك.. وفي البلد الذي اعدمت فيه لاتزال بقايا من عائلتك تكابد العيش المميت في ظل الحصار الظالم . امور كثيرة تغيرت يارياض ... بعد اعدامك بعام او عامين ظلت الأحزاب كسيرة تعتمد الكلمة ’ وتعوّل على تثقيف القاعدة الجماهيرية للناس ’ لكن الخصم كان قد مرّ على مجيئه الى السلطة سبعة الى ثمانية اعوام ولقد تمترس يوما بعد آخر بأحدث انواع السلاح . بنى سجونا جديدة واستورد السيارات البوليسية وجنّد المرتزقة وضعاف النفوس ورصد مبالغ خيالية لدعم الأمن الداخلي. كنت قد أكدت لي ان البساط ينسحب من تحت أقدام الشعب ’ مشفعا قولك بشديد الأسف وبمرارة كبيرة في ان الجبهة مع البعثيين هي كعب أخيل الحاضر والمستقبل . نعم هذا كان رأيك مع تفصيلات قاسية اخرى مفادها انه لو كانت هناك ضحايا وصراع باسل لما استفرد الحكام وترعرع بأسهم وقوي عودهم . كانت اللجنة المركزية تخاف على حياة الناس وهذا شرف لها ولكنه خوف بالغ بالسلام فأدى الىواقع مزر ٍ ومبك ٍ يقوي الخصم ! ويفضي بالموقف في النهاية الى قتل الناس . حقا لقد شارك الكثير يارياض بشكل مباشر وغير مباشر بدعم المشروع الوطني الذي قادته سلطة لاتهمها مصلحة الوطن .. ان اغلبهم مجاميع من ابناء الشوارع من الفاشلين دراسيا او القبضايات والجهلة من العسكريين والأوغاد والسماسرة والمرتزقة والقتلة والخراتيت والحيزبونات . ان الحثالات هذه قد تبوأت السلطة بقوة الدولار والمسدس وبتخطيط عالمي . والسؤال لماذا هللت لها الشيوعية من موسكو الى كوبا ؟ وحزب فهد العتيد اما كان بمقدوره ان يفكر بمعزل عن موسكو ؟ ألأنه عاش جسديا في العراق بينما فكريا في روسيا . الجسدعراقي والراس سوفيتي - تبا لنا . يوم التقيتك مساءا تحت جدارية جواد سليم في ساحة التحرير ببغداد ’ كنت لتوك خارجا من السجن . احتضنتك بثالوث مقدس أي بأخوة وابوة وامومة! اخذتك معي الى البيت بالرغم من الخوف من ملاحقة الشرطة لنا .... وكنا قد دخلنا ازقة ظلماء في كرادة مريم قبالة السفارة الايرانية وظللنا ندور وندور في القتامة وتحت بعض مصابيح الدرب الخافتة حتى انسللنا الى بيت كنت مستأجرا غرفة فيه مع زميلين .اخبرتني ليلتها انهم ارادوا شنقك مع وجبة من الجواسيس اذ اوقفوك معهم في الطابور ذات فجر ’ لا بأعتبارك شيوعيا بل ارادوا ان يلفقوا على الناس كونك جاسوسا وكان معك رفاقك الرائعون زينة ابناء الشعب العراقي .كان المراهقون المغرر بهم يكتبون على جدران البيوت " بعث على الجاسوس حربُ ......وسلاحه جيش وشعبُ " لكن لماذا انت ؟ لماذا اختاروك لمجزرة قذرة ؟ غرة انت على جبين شمس ! لقد قلت لي ان احمد حسن البكر رفض هذه اللعبة . في تلك الايام بالضبط بدأ التاريخ العراقي يتحول من مأساة الى هستيريا مدافة او ممتزجة بالسخرية السوداء. ولذا طبقت مقولة هيغل الشائنة في ان كل ماهو واقع هو معقول ! ولذا ايضا كانوا يخطون على الجدران سطورا مضحكة منها : " لو ان كوبا بكاسِترو تفاخرنا ...... فأحمد البكر كاسِترو وجيفارا " .اخبرتني ليلتها عن اخطر لعبة وغداء تمارسها مجلة اخبار موسكو والازمنة الحديثة لا تقل وغدنة عن تحويل الوطني الغيور الى جاسوس! حيث كل مايطرح فيها كذب في كذب بينما نحن المغرر بنا نوزعها في النوادي والبيوت والمقاهي وحتى على القوادين والعاهرات ونطعمها في بعض الأحيان للجرذان والسمك .كنا نخبأ تحت قمصاننا المناشير والكتيبات الصغيرة وندخل بها الى اكثر الاماكن الحكومية حساسية . اجسادنا محشّدة بالورق . والحصيلة كما يقول ابو نؤاس " واذا عصارة كل ذاك أثام " وبكلمة اخرى احب ان انبيك يارياض ان كلامك كان صحيحا فلقد سقط الاتحاد السوفياتي وتدري ان سقطة العظيم على رأسه . ولقد حدث ذالك باختصار جراء عدم كشف اخطائه بنفسه وجراء اعلام كاذب يقول انهم اقوياء وان الامبرالية من ورق وانتصار الشيوعية قاب قوسين اوادنى . في تلك الحجرة حدثتني عن هموم وآلام كثيرة ... اذ لاتستطيع ان تذهب لتنام في بيتكم ’ فرجال الامن بالمرصاد ولكن اشواقك الى أهلك حارقة وحنينك الى كشف الحقيقة احر واشد . كنت كالزهاد الذين نقرأ عنهم في الفكر الأسلامي كالحلاج والسهروردي وكنت مناضلا تؤثر الآخرين على ذاتك ... .. واقحم هنا ملحوظة هي اني طلبت منك ان تنام بمكاني وانام أنا على الأرض لكن عنادك كان اقوى من اصراري فكانت الأرض حصتك ولم يكن تحتك او فوقك من الأغطية ما يوفر لك دفئا كافيا .قيض بتصعيد السلطة ’ وانطلى ذلك على من يعشى فكريا ..وظهر الحزب الشيوعي العراقي الى العلن ’ حتى بدأ فيلم الابادة باعدام 31 كوكبا بدعوى انهم يعملون في صفوف الجيش علما بان العمل السياسي لغير عسكريّ السلطة ممنوع بل يقابل بالاعدام .العمل السياسي على حد التعبيرالسائد آنذاك بمثابة التهيأة لانقلاب عسكري .... هرع الحزب الى كردستان واختبأ الكثير من كوادره في الظل .. وهربنا خارج العراق الى بلغاريا خصوصا ’ ومنها عاد الكثير الى العراق او الى كردستان وبقي فيها ( أي هذا الكثير )بصفة رفيق في العمل التنظيمي او العسكري . ظل الحزب يعمل في الداخل وتعرض لأخطر المهام وانجز البطولات وهو بحق حزب ( كثير الخسارات ) حزب الشهداء العتيد وطريقه كان يتعبد في كل يوم بالعطاء ارواحا واموالا ’ لكن تطور الاحداث في المنطقة قاد الى الحرب .. أي الى دمار الأشخاص والعوائل وكل التنظيمات الاجتماعية في العراق فكل شئ جند ضد ايران . وبعد ثماني سنوات عادت جحافل الجيش من الحرب دامية القلب والخطى حالمة بالسلام لكنها هذه المرة زجت في اتون الحرب مع الكويت ومن ثم جرت تصفيتها وهي فارة هاربة. وجرت ابادة الشعب المنتفض وبدأ الحصار الجائر الذي دمر القطاعات الشعبية صانعة مايحتمل من تمردات او ثورات وبأختصار لا الأغنياء ولا الفئات الحكومية قد تأثرت بضغط الحصار الذي يحصد الآلاف من ابناء شعبنا العراقي المعروف بطيبته ونبله .ان التركة التي سيعاني منها العراق سيقتضيها ثلاثمائة عاما حتى تعود شجرة الطيبة العراقية الى سابق عهدها . ان عودة الروح غالية الثمن . هل تتذكر يارياض يوم حدثتك امام باب بيتي كيف اعتقلوا عزيز الحاج الذي ظهر في مشهد درامي حزين وممض لأرواحنا ولروحه هو ذاته كأنسان . كيف ظهر تحت سيف الارهاب على الشاشة الصغيرة وقد راح يقئ كالطائر المهيض الجناح روحه ووراء ه خلفية من قماش اسود لونا مختارا للأرهاب ’ وكان محمد سعيد الصحاف مدير الاذاعة يومئذ ’ يستنطقه بصفته اسيرا لامناضلا . كان الاخير يدخن بافراط ’ لونه اصفر شاحب وخلفية المشهد سوداءكما قلت والدخان رصاصي .. راح اجمل وليد في الدنيا ( بل اجمل غريق في الدنيا ) يتحدث ويتحدث على الضد مما اراد ’ على الضد مما حلم واحب وتمنى لشعبه من ازدهار ’ من دعم للكادحين في العراق وغيره .كنت يارياض قد اجبتني بالصلابة الشيوعية الحقيقية قلت لي - اذا مات عزيز الحاج فألف عزيزحاج في الطريق .. حقا لقد مات العزيز لا جسديا بل اعتباريا ... وانا يارياض احب هذا الانسان واعجب كيف لم يجن او يمت بالذبحة ... لماذا لم يصعد المشنقة بأكبار مثلك .؟ هل تعلم ؟ لابد ان تعلم ومعك كل الشهداء بان ( قائدنا ) قد اعترف واعطوه فرصة للحياة ’ اذ غادر العراق للعمل في السلك الديبلوماسي ... آه ... وعلى فكرة ... هل تعلم ان قلمه الأدبي جميل وصادق وحنون ...ومااجمل البيت الشعري الذي نسبه احد الاصدقاء اليه " ثار الارقّاء فاهتز الصدى لجباً ..... مبشرا منذرا ثار الأرقّاءُ " .ولكم اتمنى ان اخط بأصابعي هذا البيت الشعري وبحبر من ذهب على لوحة مثل لوحة جواد سليم في عمق بغداد لو ثار الأرقاء ذات يوم ! انني لأقف خاشعا وكسيرا امام اسماء ابناء وطني المنتصرين والمندحرين على حد سواء .... تدري يارياضي كم كنت انا مثلك ومثل ابي شاكر قاسيا في تقييم الآخرين . هل تعلم اني الآن - وربما هذا بسبب عامل العمر - ارثي للمنكسرين والمتخاذلين وحتى لضعاف النفوس واحب الجبناء والعاهرات وحتى الخنافس والديدان ! واني لأتمنى على كل ذي قلب ان لايقيمني في هذا الصدد لهذه الصفة التي احملها او لتلك فانني احيانا( انا ) واحيانا اخرى ( غيري) ... وانا وغيري في امتزاج التناقض الطبيعي الحاد مابين النهار والليل المتلازمين والاسود والابيض الممتزجين والسالب والموجب المتوهجين و... وباختصار" دع عنك تشبيهي بما وكأنما ". وبذا لايصح ان نطلق الرصاص على عزيز الحاج ونجلب له باقة ورد ومن جهة اخرى يصلح ذلك ومن جهة ثالثة لايصلحان كلاهما .ماهو الصحيح في هذا الزمن من اللامتناهي الفكري والفلسفي حد الحيرة . ولا اشد حيرة من الفيلسوف ابي العلاء القائل : - " في اللاذقية ضجة... مابين احمد والمسيح " . " هذا بناقوس يدق .... وذا بمأذنة يصيح " . "كل يعظّم دينه .... ياليت شعري ما الصحيح " . الصحيح هو ان لا يوجد صحيح لوحده . كل ما في الأكوان صحيح لو كان السلام اليه طريقا . الصحيح هو ايضا ان نكون دائمي الاقامة في بلدنا بعيدا عن الاحترابات السياسية الداخلية والخارجية ... لقد مر على اغترابي عن وطني الحبيب قرابة 23 عاما وهذا هو عهري الشخصي الأ ان فوهة المسدس المهووس في العراق تفوّت على جفني كل يوم ان يغفو ولو للحظات اخيرة قبل الموت في وطني المهذب .بنفسي نسمة ليل .... في صيف بغداد .... على سطح دار ... امام قمر ! رياض الحبيب.. ها انا اكتب لك من كوبنهاغن منطقة هولتا حيث اضطر للأختباء داخل سيارتي من مزنات المطر وانتظر زوجتي في بارك لوقوف السيارات . انها لو تتذكر تلك الأميرة التي رأيتها انت من بعيد في كلية الأداب في عام 1970’ عندما كنت ارفل معها في عالم الجامعة المخملي بينما كنت انت شريدا بين تنظيمات الداخل والكفاح الفلسطيني المسلح ومنظماته في لبنان الأغر . ... ها انا انتظرها متنقلا بها بين المدن والاقضية الدانماركية لتقوم بالترجمة وتقيت عائلتنا .. المكان الذي اقف فيه يشبه اطلالة حزينة على قبرك المجهول . وقد دفعني للكتابة اليك ’ علما بان الرغبة موجودة ومزمنة كالشجن الشعري الأ انها تتحيّن فرصةالتدفق . لقد اثارتها اشجار عارية من الأوراق توحي باليتم والفراق ! فروعها ممتدة وبالمئآت كأنها اشباح ليالي ممطرة وحزينة. المطر يهمي ويهمي ولاينفك يهمي كأنه عيون السياب الثكول . زقزقات اطيار نيسان تنبعث في هدأة المكان كأنما هي ترانيم كنيسة او هدهدات مهد. لو يستمع المرء الى طيور هذا الفصل لما توقف عن البحث عن معرفة اسمائها فهي تبهج المكان اصائلا وبكورا . .. هنا الشوارع خالية كالغموض . والسكون جم كليل المقابر وحدقة العين مترعة بمسيل مز ومالح . .. طيلة هذه الأعوام وانا احملك على كتفي وقلبي يارياضي الأثير وما لي في ذلك فخر ولا امتياز .انت ولدت ومت لتبقى زهور دمك جلنارا عطيرا مطرزا على وسادة احلامي وثيابي .

رسالة الى ميت 2 ..الى الشهيد رياض البكري

رسالة الى ميت 2

الى الشهيد رياض البكري

خلدون جاويد

رياضي الحبيب : اكتب لك من كريفينكا قرية غرب الجزيرة الاولى شيلاند ...ذهبت هيام لتوها الى الطبيب لتترجم لأحدى المريضات .
المكان حدائق تحيط بمبنى الطبيب .. اشجار متوسطة الطول ’ واوصال الشجر تداعبها نسمة خفيفة رقيقة رغداء ... بداية اشعة الشمس الصباحية تتسلل الى هذا العالم البارد والمنتظر دفء وعذوبة نيسان وآيار ... يكاد يسمع للصمت دبيب ... وهناك همسات عصافير غاية بالاتساق ... احاول ان اربط ما كتبته لك بالأمس : لأبدأ من آخر جملة : طيلة هذه الأعوام وانا احملك على قلبي ..الخ .. ومع ذلك فقد ران على عينيّ رماد او غبار لم يجعلني اراك ’ بل انشغلت عنك كثيرا ولسنوات طويلة . شفيعي في ذلك عملي السياسي الذي يأخذني من كل شئ . من اخي ستار الذي لم اشاهده منذ 23 عاما ومن عائلتي وحتى مني . ...كتبت عنك قصيدة لكنها لم تعبر عن حزن كاف داخلي ( ارفقها في الهامش رقم 1 ) . كتبت مقالة عنك ونشرتها في جريدة الوفاق في عام 95 لكنها ايضا لم تفِ بالتعبير عن جراح قديمة وشهيد عظيم وفخم مثلك ( ارفق المقالة في هامش رقم 2 )والتي ارتأيت فيها ان اكتب عنك بقوة وصدق ’ صدق كلفني مجافاة الآخرين.ولن يهمني ذلك بل ساتمنى ان يكتب كل انسان ليس بالضرورة ان يكون اديبا او صحفيا او شاعرا ’ ان يكتب عن الحبيب المفقود فذلك ادعى للوفاء ودرس في الواقع وعناق شفيف للمحبة الانسانية . يجب ان نتذكر امواتنا ولو بوردة وأخطاءنا بألف شوكة واخزة ..الساكت عن الحق كما قالوا ملايين المرات شيطان اخرس ... يجب ان يتحلى غير الجبان بالشجاعة والا فما عليه الاّ ان يجانف الكتابة تحت طائلة الخوف ... ان يكتب المرء وهو خائف اوبغية الترزق او المداهنة او التساهل في النظرية والواقع فذلك هو السقوط الأخلاقي والفكري ... انها القردنة والقحبنة في آن . وانا لست صحفيا لأي حزب على الأرض ولن ارتدي الحنديري الآيديولوجي حتى ولو كان ذلك مدعاة لمقاطعتي او ايذائي او حتى قتلي . يوم غادرنا العراق نحو بلغاريا اخذتنا المنظمة الى مدن عديدة . وزعونا عليها اوبالعكس . كانت حصتنا بليفن وهي مدينة جميلة في غابات الدنيا . كانت هناك بانوراما كبيرة جدا تحكي بطولات الشعب البلغاري ضد الغازي التركي قبل قرن اوآخر . انها تطل على وادي كبير اسمه وادي الموت او الوادي الاحمر . هناك حول البانوراما قد زرعوا الارض بمآت الآلاف من الورود وقالوا لنا انظروا كم جميل هذا البحر من الازهار ... ان كل زهرة ترمز الى شهيد وعددها مطابق لعددالشهداء الذين دافعوا عن وطنهم . آه كم من الدموع ذرفت امام قبر كل شهيد او امام كل زهرة ! ولماذا هكذا موت ودموع في تاريخ الشعوب يارياض ... متى يتعلم الانسان ان يحب ويعشق ويغني ويحيا بسلام . متى نضع الوحشية وراءنا بل نقبرها الى أبد الآبدين . ... لذكراك اغرز وردة واضيئ كلمة وشمعة .ولن اهاب الكشف عن حقيقة الأيدي القذرة التي قتلتك اوالتي لم تطالب بدمك او تحيي ذكراك . ان وجهك عباد شمس ذاكرة العراق . تعلم يارياض انني مدين لك اكثر من أي شاعر في الدنيا .ولذا احكي لك . اتحدث معك ميتا حيا . فأنت ملاذي في مناجاتي وهواجسي وان كنت تحت التراب ! فاسمح لي بهذا الاستطراد : يوم ان دخل ابو شاكر على الخط ’ وجاء من وراء الأزمان ليضع باقة من حسك على حرير ايامنا ولاوعي صبانا ’ عندما جاء هذا المشاكس المخاوص العينين قال لنا : كفوا ورودا او توقفوا ثرثرة عن الحسن والجمال الرومانسي . هذا تاج المسيح الشوكي ’ انظروا كيف شنقوا رمز المحبة . هذا هو الحسين العظيم واللامتناهي نبلا وبطولة .هذا فهد يوسف سلمان الجبار الذي شنقه الحكم العميل في عام 1947. ولا يزال يشنقه عديمو الضمير كل صباح . هذا ماركس الذي جاع وماتت له اربع بنات ولم يتنازل عن مبادئه . زوجته اخت وزير في الحكومة الالمانية بينما هي وزوجها يرفضان ان يمدا يديهما له من اجل ماركات قليلة لدفن طفلة ميتة على السرير منذ امس . انظرا يامن تتطلعان الى النسوة فحسب . انظرا تاريخ الجراح العالمي لتجدا ان شهداءه وابطاله اجمل رومانس مائج بسندس ونسرين . على كل ارصفة بغداد حيث يصطحبنا من الداوودي الى باب المعظم والرشيدوشارع السعدون وبغداد الجديدة لايكل عن الأحاديث والشرح والهمس المتواصل باسماء دول واحزاب واحداث وتواريخ ولعشرات بل ولمئات المرات كان امله وسؤله وديدنه ان يصنع من الفحم ماسا . وحقا فأن تلاميذه كثر ولكن لا يعرف بعضهم البعض . لا اريد ان اذكر اسمه المجلجل لأنه لا يزال يعيش في احدى القرى العراقية اسكافيا محاطا بعشرات الاحذية المتربة والقذرة وبالأرفف المتسخة الصفراء وامامه كل صباح سندان وفي فمه مسمار ( كما هو شأن الأسكافي اذ يضرب مسمارا في كعب حذاء ويتناول الآخر من بين اسنانه ) هناك يعمل في ورشة الخسران صاحب اعظم ذهن جدلي ديالكتيكي ! يتحدى الكثيرمن اساتذة الجامعات من ذوي الياقات المنشاة والليونة الانثوية المارقين في الازمان ’ المدجنين المساومين المتعاونين المتسخين حقا . حقا لقد سلخك يارياض من صداقتنا ورحت معه قبلي كما راح هاملت وراء شبح لكي يقول له الحقيقة ويومها انفرطت صداقتنا رويدا رويدا . فبدلا من ان ندور في الشوارع والمقاهي والأرياف والضواحي نحفظ الشعر ونقرأه لبعضنا البعض ’ اخذت تمضي مع ( ابو شاكر ) الى الخلايا الحزبية . بدلا من قراءات حول جرير والفرزدق وديك الجن ’ كنت تقرأ المناشير بدلا من التطلع الى نوافذ المراهقات . كنت احب هذا التجشم الشاهق فيك وظللت انت وابو شاكر مثار الحسد عندي او الأعجاب .. ضممتما صديقنا الثالث اليكما ( ل ن ) بعدما كان الأخير ظلا لي في ملعب صبانا وحداثة سننا واذا بي ابقى وحيدا . اخذ هو الآخر يعشق العمل النضالي والتحريض والدفع الثوري . ويقرأ شعر مظفر النواب بل يستنسخه ويحفظ الكثير منه وعلى المؤرخ النبيل ان يفسر لماذا اعظم الشعراء العراقيين متأثرين بالفكر الشيوعي . ان قصائد ( مظفر ) تميمة تحت كل وسادة في عراقنا العاشق وهي مصباح على عتبة كل دار . لم يكتفِ هؤلاء المغرمون بالوطن والشعر وحب الفقراء الأّ وان يشتركوا بكتابة شعارات عمالية بتوقيع الحزب الشيوعي العراقي على الجدران ... كانت المنطقة جميعها مطوقة بحزام وردي من الألوان لشعارات رائعة تدافع عن الحرية وحقوق الطبقة العاملة والفلاحين والطلبة الثوريين . وكنت ( اللعنة ) انا الوحيد الذي لم يشترك بهذا الكرنفال .لكنني كنت ذلك الصديق المنقذ لأكثر العذابات تداعيا : ايصال رسائل على شكل مناديل مطوية . ارقام تلفونات . ايصال او اعطاء مبالغ لمن يحتاجها . وانا صديق وفي ’ وعلى اتصال دائم ومستمر لأكثر الأعضاء خطورة ممن عليهم القاء القبض !.خاصة ذلك الهارب من بيته ووطنه فيما بعد والذي استشهد في العمل المسلح دفاعا عن فلسطين . كنت احيانا مثل الأطرش في الزفة على حد التعبير العراقي .كان ( ل . ن ) يضحك مني عندما ينتبه لحركتي الصداقية بينهم ويقول لي ماهو الفرق بينك وبين المنتمين . المهم انت شيوعي خطر ام شيوعي قذر ؟ ! هكذا كان يمازحني باعتبار الشيوعيين في زمن الجبهة مع السلطة ’ نوعين ! . اما عقيل فكان يسمي النوع الجبهوي : بجماعة ليلى مراد التي توافق باستخذاءٍ على كل مايقال . وكان يغني بهمس ونحن نجلس على المصاطب في احضان الشاطئ المفروش بالسندس على شاطئ دجلة من جهة ابي نؤآس ’ ومستهل اغنيته : الجبهة زعلانة ’وعامر يراضيهه . ويقصد بذلك عامر عبد الله الذي صار وزيرا في السلطة والذي يمثل ’مقارنة بالتراث السياسي الفرنسي’ المهادنة المليرانية .او ان يغني ابياتا نقلت عن للشاعر عريان السيد خلف من قبيل " امّداهه لروحي امّداهه ’ تمشي وره اليمشون ’ كانوا وراهه " .

رسالة الى ميت 3 .. الى الشهيد رياض البكري

رسالة الى ميت 3

الى الشهيد الشاعر رياض البكري

خلدون جاويد

رنكستذ ............................................... -الدانمارك 22/4/ 2001 أكتب اليك من منطقة تدعى رنكستذ اذ انتظر زوجتي المنشغلة الآن بالترجمة في المستشفى . هذا النهار ايضا مشمس شديد السطوع . الهدأة لاتضاهى . . الهدأة نغم . هناك عشرات الزقزقات الصادرة عن انواع مختلفة من الطيور . هناك هديل حمامة تلامس الروح بالعذوبة . ( لكنها بيني وبينك لا تعادل بالسحر والحنان في نظري تلك الحمامة الحلاوية الصادحة باللوعة الفراتية الجميلة ككوكتي وين اختي بالحلة ...ألخ ) - طبعا تحّيز - ...... وما العيب في ان يتحيّز الانسان الى وطنه ؟.في الحنين الى الماضي على الاقل. ها انا اعود بذاكرتي الى شارع السعدون حيث دكان الخياط توفيق ناجي الذي لاانساه حتى الموت وكما تقول الخنساء " بلى والله لا انساك حتى ... افارق مهجتي ويشق رمسي " اذ في احد الأيام وانا في دكانه كان هناك ابوعاصم ( ابو ذر ) *وهو موسوعة جمالية وخريج (جامعة السجون )! العراقية . وعندما اذيع اسمه من راديو اذاعة بغداد مع مجموعة من الرفاق الشيوعيين في عام 1968 اثناء العفو ’ كنت انا امام بحر الخليج مسترخيا امام الزرقة مستمتعا بالرمل الحار ومتأملا مايشف من اجساد السمراوات. كانت تلك اللذعة السعيدة لسماع خبر ابي عاصم وتحرره من ربقة السجن محط فرحي وايضا محط شعوري بأني مقصّر فكان يجب ان اشاركه عذاب الزنازين - كان عمري آنذاك 18 عاما - وان اشاركك في تلك الفترة يارياض ولو لأيام قليلة لحظات صمودك المرير اذ كنت قد انتميت الى اتحاد الطلبة وبعد ذلك الى الحزب وكانوا يلتقطونك من المظاهرة ليدبغوا جلدك بالسياط ويطلقونك بعد حين وقد تكرر ذلك عدة مرات. في دكان توفيق ناجي كنا نلتقي . ونسرح ونمرح في زمان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية . كنا نشرب في صحة احلامنا وافراحنا المؤقتة وننشر الكلمات الموردة ونزهو بالحرية الملغومة . نتجول بكتبنا الماركسية المهيبة ’ ولجنتنا المنطقية تراكم اهراما من الخلايا لكن كما كنت تقول بان لجانا بالمئات تكونت وتهدمت مع السنوات والعبرة هي بالانتصار لا بالخيبات المتكررة . ان تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي تضرب وتسحق عبر عشرات السنين وليس من قبيل البطولة تكوينها . البطولة بتفجيرها في عمق انتفاضة .ومع ذلك ’ يقال ردا على المستخفين باهمية التنظيم ورغم المخاطر المتكررة والكبوات المستمرة ان معاونا للشرطة قد ابدى كلله وملاله من الشيوعيين اذ قال مااتيت الى مكان عملي في كل صباح ولثماني سنين من دون ان ارى طفلا او رجلا او شيخا او امراة ’ وماان اتسائل من الشخص الموقوف حتى يقولوا لي هذا شيوعي او هذه شيوعية !لماذا الشيوعية في العراق ساحرة الى هذا الحد ؟ ان الاعتقالات والاصفاد لا تنتهي وعشاق الشيوعية اياها لاينتهون فكلاهما يعيشان مع بعض كالليل والنهار وهنا لابد ان اقول ان الجمال الخلاب هو ان اكون عاشقا لا شرطيا ’ حرا في سجني لا سجانا في الزمن العبودي او خادما لمن هو اعلى ! اللعنة على كل من هو اعلى ! بما فيها القصور وناطحات السحاب وسكان الطابق الثاني وباص المصلحة ذو الطابقين ! . تعلم يارياض انني في ذلك الدكان كنت قد تعلمت مغزى رواية ( الشمس في يوم غائم ) لحنا مينا فقدكنت التقي بأبي شاكر مابين الحين والآخر وكان توفيق يستضيفنا بكل حفاوة وكانه يقول لنا مع احدى شخصيات هذه الرواية التي تدبك على الأرض بأن نركل ونرقص عليها ’ أي ندق بكعوب اقدامنا وجه البسيطة بقوة وبهياج وتماما كما كان الحوار في الرواية ... :- اضربها اضربها بقوة ابنة الكلبة هذه ... . صحيح اني ذلك المحظوظ بالاستماع لأفضل اساتذة اللغة الانجليزية واقرأ هذا الأدب الشاهق واواظب على حضور دروس الجامعة الأ انني لم اجدالكثير منهم بعذوبة شخصية توفيق ولا بدفء روحه ولا بوفرة وغزارة معلوماته. فهل هذا يعني ان الشخصية الشعبية الذ من شخصية الدكتور الجامعي ! لربما يصح ذلك احيانا ! كان مكان توفيق ملتقى آخر خبر . ...وهناك !.. هناك علمت بخبرك ’ حيث قال لي ابو عاصم ان رياضا لقي حتفه . كنا وراء زجاج نوافذ الدكان وكنا نتحاشى بالنظر من يفاجئنا بالدخول من الزبائن وكان توفيق قد اسبل يديه ووقف يصغي الى تفصيلات النبأ . حزن توفيق بينما جمد وجهي . قالوا انك كنت كالمسيح ثائرا ومبشرا . وكانت منظمتكم قد اتخذت قرارا بأنقاذ حياة الآخرين من ضغط التعذيب وذلك بأن سمحت للرفاق بأن يعترفوا وان لا يصمدوا حتى الموت. يكفي بان يموت انسان واحد يجري تجيير التهم كلها ضده وهنا وانا واثق مما اسجله بعدك لكوني قد سمعته بكل تأكيد : انك كنت كبش الفداء . كنت تدعي انك لست رياضا بل شخص لبناني ولكن ذلك لم يجدِ نفعا . لقد حكموا عليك بالشنق حتى الموت كونك ( رياض ) اذ القوا عليك القبض وانت تزور عائلتك التي انتقلت من بغداد الى مدينة اخرى . كان رجال الأمن خلفك دائما وبالمرصاد ! ... وحقا كما يقول ماركس هناك شبح يهدد اوروبا العجوز . كنت انت احد انبل واشجع من يهدد ويرعب الاوغاد . موقفك الأخير لم يكن بصفتك شخصا لبنانيا الذي ادعيت براءته مما ينسب اليه ,‎. لقد اطلقتها في شقرة الشمس وخيوطها الاولى ومن تحت اعواد المشانق . اطلقتها امام رفاق سجنك :- انا رياض البكري مع السلامة يارفاق وقد هتفت ! قبل لحظات من وضع الحبل على عنقك : عاش حزب الطبقة العاملة العراقية الحزب الشيوعي العراقي .لقد عمدت بالوفاء مقولة فهد الجبار الشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق . ولقد كنا وانت تغص بحشرجات الشهيد ’ كنا نائمين في سرير عهرنا اذ كان يجب ان نكون معك . وعندما استمعت الى الخبر المفجع ذهبت بصمت الى بيتي ورتعت في الدفء .وبعد أيام وكأي وغد حملت حقيبتي الجامعية وكتبي لأواصل دراستي ويومياتي العادية وضحكاتي وهمساتي في زواياي في جامعة بغداد ’ مع الحسن والجمال في نادي كلية الآداب او التربية -الكلية المجاورة -واكتب القصائد الغزلية ودماغي الصغير لم ينضج بعد ولم يرقَ الى مستواك او لأني من طينة اخرى او لأني خائف او مذهول ام اني لم اكن مهيئأ نفسيا وفكريا بما فيه الكفاية لأكون قربانا . ان مشاعر الفداء حالة راقية ذهبت انت اليها قبلي . ولم اكن اقوى على الارتقاء اليك في تلك الأيام . هل سأخضع ذاتي الكسيرة ايامذاك الى التحليل النفسي . كنت بلا ام ولا حبيبة ’ بلا اب فلقد اخذته النساء مني على حد تعبير الشاعر بدر شاكر السياب . وكنت حتى على مستوى الحياة المنزلية جائعا بل مجوّعا . كان الخراب يلفني ’ يزيده لعنة مكائد زوجات الأب وحلمي بيد حنون .كنت شيئا من قبيل المستحيل أي كنت ارضا من رمل . رمل لايعطي ورودا كما كنت انت تفعل . جسدي بكل ماتعني العبارة من معنى صحراء لا قطرة ندى عليها . هل هذا معناه انني يجب ان ارتوي حنانا عائليا اموميا بخاصة كيما اكون اهلا لشق طريق الحرية والفداء من اجل فكرة ؟ انا افتح هذا الباب على التحليل النفسي واتمنى ان اعود اليه بالنقاش او المساجلة . كنت انت الوحيد الذي اجد فيه صداي .. لم اكن منظما بوقتها ولا تراكماتي الفكرية قد آلت الى تغيير نوعي في وعيي الصغير على المحبة والتفاني ولعل احدى مثالب العمل الثوري بين الجماهير عندما يجري الزج بالعجين قبل اختماره في أتون لا يتناسب معه او لا يليق به .. كيف يضحي الانسان بجسده وحتى الموت مثلما فعل عبد الامير سعيد عام 1963 ( عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي )اذ هددوه بان يعترف او يدخلوه الى اتون صناعة الخبز (فرن الصمون ) كيف يرقى الجسد على النار والالم ؟ ...... انه بالوعي الجبار لحاجة البشر الى تحقيق الجمال والحرية وهنا يكون عبد الاميرسعيد الذي ادخلت جثته الى الفرن وقد اغلق عليه الباب يكون هذا البطل الخالد جمرة في ضمير كل عراقي . اما سلام عادل الذي اخرجت عينه بملعقة بعد ان دخل عليه احد الجبابرة من ذوي العضل المفتول وهو( سلام ) بنحافة الفيلسوف او الغلام الطهور متهما اياه بانه شتم علي ابن ابي طالب عليه السلام فرفعه ليضع ظهره على ركبته الجبارة ويكسره ا يما كسرة ! بعدها استشهد تحت التعذيب ... ولم يعلم هذا البائس الذي يعمل بدريهمات قذرة لدى اجهزة الامن ان عليا والعلوية انما هما تيار ثقافي واسع ينتهل منه الشيوعيون اكسيرا طهورا وقصصا للأباء ورموزا للفداء ’ وان التعبير المرموز له بالحرفين (ش ..ش ) انما يعني شيعي شيوعي .. وفي العراق المبجل آلاف بل ملايين منهم . ان من يؤمن بالمغزى الهائل الروعة لمدرستي الدفاع عن الفقراء والمظلومين ’ ان من يؤمن ويصدق بايمانه بالتعبير (ش..ش) انما يستحيل الى منار ملهم فيغدو كما فعل سلام عادل وآلاف من ابناء شعبي المهذب سرا من الاسرار بقاموس البطولة الشبيهة بالخيال والوهم . والسؤآل هو اما الاعتراف على الناس او الموت ! أجب من تختار ؟ الجواب بعد ان نمسك القلم هوبكل جبن او شجاعة : ( ............) ! يارياضي الغالي ( يالتفاهتي انني حي بعدك ) لقد شعرت بالمرارة والقسوة والتأنيب لعدم كتابتي السطور على الجدران . تلك السطور التي ظللت اكتب المئات منها وكلها كلها أي مئات المقالات لاتعادل وقفة جبارة امام حائط لكتابة شعار سياسي . بكتابة الشعار على الجدران يرسم الرفيق الحزبي شوكة في عيون الشرطة ورجال الامن وكل الجواسيس . حريتي هي درجة اقترابي من الموت على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي سارتر . انها ليست مباهاتي بالعزلة والتقوقع مثلما كان يفعل بعض شبيبة الستينات الذين فهموا الوجودية بمعنى ليبرالية وحيْوَنة . حريتي هي ليست ضحكة عالية مستهترة في ليل مخمور بينما الدمع يغمر البيوت والشوارع والوطن . حريتي ليست فرحي الشخصي والناس حزانى . حريتي ليست حركتي العمياء وانا جاهل بكل مايدور . حريتي لايجب ان تكون بلا تبصّر . حريتي يجب ان تكون علما وفراسة وتمحيص ودرس . حريتي لا يجب ان ابيعها بالملايين لأغدوا عبدا اوحارسا او سمسارا اوحرسا اوفدائيا ارعنا . حريتي لا يجب ان يأخذني اليها شرطي او جاسوس او مسؤول امن . حريتي يجب ان لا يستدرجني اليها مراهقون حزبيون ! حريتي لا يجب ان تكون جبانة . لقد قضيت حياتي وانا احمل عقدة الضعف والسؤآل هو متى سأكتب على جدران مدينتي تلك الشعارات التي احبها والتي ادخل بموجبها التاريخ كرجل شجاع . شجاع عاشق اعظم من فيلسوف خائف ... لماذا احبُ ابا شاكر ؟ لأنه كان قد طبق الكتاب على الواقع . كان يتخفى وهو يحمل سطلا وفرشاة وصبغا ( البوية الحمراء ) وكان يهرب متوغلا في عراء من الظلام بينما تطارد شبحه سيارة النجدة - الشرطة وهي تدور على اسفلت الشوارع عاجزة عن الدخول في مناطق ظلماء تتخللها الحفر والسواقي والركامات.

رسالة الى ميت 4 .. الى الشهيد رياض البكري

رسائل الى ميت
الى الشهيد الشاعر رياض البكري

خلدون جاويد

رسائل الى ميت 4

أكتب لك اليوم من المنطقة التي اعيش فيها ( هاملت اومغيذه ) اودعت ولدي الصغير 8 سنوات في قاعة للتدرب على تمارين الدفاع عن النفس .. سأنتظر ساعة علما بأن اوقات انتظاري في أي مكان مخصصة لك . اليوم هو 9/5/2001 الساعة الخامسة مساءا ... حول العشق والخوف . الموت لايخيف اذا احببنا حبا صادقا .وكذلك هي الحال بالنسبة للحلاج مثلا و ابن رشد و جاندارك وجيفارا وآلاف مؤلفة من الشهداء والمفقودين وها انت تلتحق بهم بل انت احدهم . انا مسكون بالسؤآل الكبير .. لماذا سبقتني انت بالعشق والموت ؟ فضلا عن كونك سبقتني ايضا بالشعر وعلمتني بحوره .... اتذكرك دائما ونحن نقتعد ارصفة الشوارع ونجلس تحت ظلال الجدران حيث المنعطفات الترابية البعيدة في منطقة الداوودي ..كنت اصغر مني سنا وكنت انا في السابعة عشر من عمري اصغي لك بانجذاب هائل . كل الذي كنت تقوله كان يتلبسني كالولادة والحياة والموت ’ اعني كقوانين الحياة .. موسيقى الشعر كانت تشكل في رأسي فوضى هائلة تماما اذا لم امتدح نفسي امتداحا رخيصا ’ كان رأسي مثل غابة نسقتها انت وحولتها الى بستان . كيف ومتى عرفت ميزان العروض ؟ انا منك لاغيرك سمعت بالفراهيدي وبعد ذلك بصفاء خلوصي وكتابه ميزان الذهب . وقد فخرت بك معلما لم يشعرني بأي تفوق . لقد رحت تربت على الأوزان بايقاع صوتك واصابعك وحركة قدمك .. تشعرني ان انتبه للتفعيلات ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ) وهي تشكل بحر الرمل او البحر الراقص على حد تعبير الدكتور خلوصي والبحر الكامل ( متفاعلن نتفاعلن متفاعلن ) فعلمتني تمييزه عن الاول اذ كنتُ كتبت قصيدة تبدأ بأحدهما وتنتهي بالآخر ... لقد شددت من ازر ملكتي على ذلك وعشقي له ... وبعد اشهر وسنوات سألتك هل انت الآخر تتألم من هدهدات الأوزان والقصائد التي تتلاطم كعواصف الأمواج في الرأس ؟ .. انني اعاني الصداع... قلت لي انا اعاني الصداعين والصاعين . حقا لقد ظل الشعر لوثة العمر وصليبا على الظهر اتنقل به ويتنقل بي حتى غدوت بعدك اسما معروفا نوعا ما . ولو بقيتَ على قيد الحياة لكنت نجما رائع الحسن .. اشبهك بأجمل خلاصة شعرية لم يصل اليها شاعر الآ وهي انك خلاصة السياب ونازك ومظفر والكاظمي والنجفي ونزار ودرويش وفي صيغة ثورية حامية الوطيس ساحرة الألفاظ . يوم اشترى ( ستار ) جهاز تسجيل كبيرا كنا نستمع الى الاغاني الجديدة والشهيرة للمغني الصاعد فاروق هلال وحسين السعدي وسعدون جابر . ولأً‎ُم كلثوم في ( للصبر حدود ) وعبد الحليم في ( سواح ) . كانت بين جميع هذه الاصوات التي احبها لموهبتها الحقيقية ’ كانت قصيدة قرأتها انا بصوتي وهي لشاعر رمز لأسمه بحرفين ( ر ... أ ) منشورة في جريدة المنار او الجمهورية لا اتذكر’ ويبدو انك ارسلتها من فلسطين او لبنان عندما كنت تحارب من اجلهما وتحمل الرشاشة وتكتب الشعر تتحسس الفرح بالعمل وتحلم بالورد . كنتُ قد التقطتُ قصيدتك صدفة ولم اعرف انك ( ر... أ ) حتى جئت في زيارة خاطفة محفوفة بالمخاطر الى بغداد بهوية لبنانية ... مكثت في حجرتي لساعات وفي معرض الحديث قلت لك اسمع اجمل قصيدة قرأتها هذا العام وهي لشاعر ... الخ وانني سجلتها شغفا بها ... بعد استماعها ضحكت مني ومن غباوتي ! ففهمت من عينيك المخابثتين والمعنفتين في انك راء - الف لاغيرك . لقد كنت تخشى ان لاينشروا لك وانت صاحب هذا الاسم الخطير . بعد ان كنت تكابد عدم الظهور وكونك شاعرا مغمورا في عام 65 -66 ’ حدث لديك في ظرف 3 سنوات تطور هائل في المعنى والجدوى ’ في حب الجماعة على حساب اسمك فاخفيته من اجل قصيدة الناس . وانا اعلم ان اندفاعك الشعري كان نيرانا حامية احر من الجمر . كنت عندما ترسل قصيدة جميلة الى جريدة الجمهورية او الثورة او المنار تتأخر عن الظهور ’ وعندما نأتي ظهر كل يوم الى الباب المعظم والحيدرخانة كنا نشتري الصحف ونبحث عن قصائدنا ’ حتى انك كنت تغلي عندما لاتجد قصيدتك فتمزق الجريدة وتدوّسها باقدامك فكنت اخفف من غلوائك واهدأ اعصابك بكأس شربت زبيب مثلا ’من حاج زباله . واذا كنا جائعين نتناول الخبز الاسمر مع الجبن والشربت ومن ثم نمضي الى مقهى التيسير ذات الهدوء والوداعة حيث كان يجلس هناك الكثير من الشعراء جميل الكاظمي وقيس لفته مراد المتربع في زاويته كأنه نصف اله! وكذلك خالد يوسف واحيانا عبد الامير الحصيري وآخرون . والتيسير مقهى في شارع الرشيد ذاته’ على الجانب الايسر منه في حالة التوجه نحو الباب الشرقي ويقال انها كانت مقهى الرصافي بينما تقع قريبا منها مقهى الزهاوي في الركن من الشارع المؤدي الى القشلة .بالمناسبة يارياض تتذكر اننا قبل هذا الابتلاء بالسياسة وما يسمى بالانسلاخ الطبقي قبل جنونك بالماركسية وحبك للأنتماء لما هو ثوري وتحرري ’ باختصار قبل ان يأخذك ابو شاكر الى جنائن الحزب المعلقة وفيافي الجبابرة ’ قبل ذاك كنت انت وانا صديقين محبين لبعضنا وكنا لانشعر بالحسد او الغيرة من بعضنا مع ان اصحاب الصنعة الواحدة يتباغضون والامثلة عديدة منها المباغضة بين الرصافي والزهاوي ’كبرياء الجواهري ونفوره ومزاجيته العالية’وموقفه من السياب ( يفيدني صديقي واستاذي عبد الغني الخليلي بأن شاعر العرب قد جابه بالأهمال اللئيم شاعرا رقيقا كالسياب )... ولعل التاريخ هنا يذكر موقف الأستاذ النبيل مصطفى جمال الدين الذي زار السياب واطرى له رائديته واثنى على مكانته . هذه جملة اعتراضية .. اعود واقول ان الهجوم القلمي الذي نشر ضد (سعدي يوسف)وهو يعود الى وطنه في السبعينات ’ وفي ( الف باء )كان بقلم شاعر. ومااسوقه هو جزء من الامثلة العديدة الأخرىالتي تتناولها الصحافة اليومية ... كنا انت وانا صديقين حميمين لايزعزعنا الجمال الشعري ومن هو قائله بل كنا نقرأ لبعضنا البعض كل يوم واحيانا نقرأ آخر شطر او آخر قطعة شعرية وفوق ذلك قمنا بعقد صداقات مع شعراء من مختلف المناطق السكنية وكتبنا بيانا صغيرا ظهر في الملحق الأدبي لجريدة الجمهورية موقعا بأسمي الحقيقي ( ...... ) . وقد كنا نعقد اللقاءات الأدبية فيما بيننا وما هي الأ بضعة اشراقات حتى تدخل ابو شاكر وحطم الرومانسيين . فأخذك منا مع شاعر آخر وبقيت لوحدي مع اثنين من الشعراء متبرما وفي نهاية المطاف عاد هو ذاته وهدم آخر ماتبقى باعتبار ان هذا قومي الانتماء وهذا من عائلة بعثية وذلك ليبرالي .... لقد تهدم اللقاء الانساني الرومانسي العام بالتدخل الحزبوي ’ والذي كان بوقته وبالوعي المادي الجدلي بمثابة حالة صحية . ولو لم يكن ابو شاكر ماركسيا بل لو كان منتميا الى أي حزب في العراق ’ مهما تحدث بالديموقراطية ’ لفعل نفس الشئ وميّزنا شر تمييز .

أوراق رياض البكري

أوراق رياض البكري

تقديم : خلدون جاويد

صديقي الشهيد رياض البكري ، ها إني اضع – الارشيف - لفافة الأوراق أمامي مرة اخرى وشعور بتأنيب ينتابني اذ يجب ان اسرع باشهاره قصائد َ وخواطر ومقالات ٍ على الملأ ، لا لن انساك أبدا صديقا غاليا واستاذا فخما ً ، المواضيع كثيرة التي تحت يدي ، ولقد قمت بقراءة أكثر الصفحات وضوحا ً، واذا بها قصة او خاطرة ، تبدو هكذا ! فهل هي رموز ما ، ولمن موجهة ، ومَن شخوصها ، ايكون جميلا نشرها أم لا ، هل ستُبكي أحدا ما ، امرأة او صديقا ما ، لا أعلم ،،، اعلم انني في زيارتي لبغداد في نوفمبر 2003 استلمت حزمة من اوراق من اصدقائنا الطيبين الاوفياء ، وكلهم عاجزون عن نشر المواد في كتاب ، وها انا احاول بذات الوقت نشر المواد في المواقع ، والى أن يتاح ترتيب الأمر لابد ان يظهر كتاب جميل عليه صورتك واسمك ، وفي ثناياه تجربتك الملتهبة في الكفاح المسلح ، وسواء ً كانت موضوعية أم لا ، فأنت ورفاقك الأعزاء جديرون بتقييمها ، من طرفي انا ذلك المعجب بل انا ذلك التلميذ ، وعساي أقوى ان اقدم أقصى ما أستطيع عليه لإظهار أعز ما تركه انسان رائع وشاعر كبير كان بالامكان ان يضيف الى ارث شعبه العراقي النبيل كنزا آخر لكنوزه الغالية في الحرية والمحبة والجمال . ادناه سطورك الغالية حسبما كتبتها أنت ولم أتدخل فيها سوى اني قمت بطباعتها ليس الاّ :تشبث بذكرى الأيام الغابرة رياض البكريبالرغم من انه كان آخر لقاء بينهما وأول لقاء ايضا.. فقد آثر الاّ أن يكاشفها حبه .. ويطارحها غرامه ، وكان متيقنا ً مثلما هو متيقن من حبه لها انها هي الاخرى تحبه ...ومن كل ماقرر ان يقول لها ... واجمل التعابير التي أعدها لهذا اللقاء الجميل .. ماساعدته شجاعته الاّ على الاعتذار .. من ان حبهما سينقطع عند هذا الحد وانهما سيفترقان الى غير ما رجعة .. وحتى انه لم يجرؤ على لفظة عبارة صريحة في الحب .. فهي والحق يقال قد أعانته كثيرا في محنته هذه .. فاوجدت له المخارج الضرورية من كل مئآزق حديثه المشتت .. وخلال مايقارب الساعتين وفي لجة ذلك الفرح الذي غمره من قدميه حتى اعلى رأسه ، كان يكتشف كلما مرت لحظة من ذلك اللقاء ( العمر) الذي حظي به ان هذه المخلوقة تشاركه الكثير مما يفكر به ومايعانيه . وفي حين كانت تسحقه فكرة افتراقه عنها كان يحس( يحس او كلمة اخرى غير واضحة .. ) ويشهد على ذلك صمته المفاجئ بين وقت وآخر انه لن يحظى بشبيهتها على الإطلاق .. وانها هي وحدها الانسانة التي يمكن ان يحبها حدّ الموت .. ولهذا السبب كانت تراوده رغبة البكاء في السيارة التي اخذته بعيدا والى الابد عن اجمل حب في حياته . لقد عبثت بقلبه أي عبث وهي تسأله عن الحل الذي يفكر به لهذا الحب الطفل .. وكطفل لا حول له بادلها ذات السؤآل قبل أن يجيبها ولكنها لاتشابهه جهله في هذه الامور فهي تحتفظ بمثل تلك الاجوبة لنفسها فقط وتكتفي باشارة مبهمة تتركه معلقا ً بين الارض والسماء وها هو معلّق على صليب الشوق الذي لاينتهي ، انه يتذكرها الآن تماما وكما لو انها لم تمت أبدا ... ولشد ما أحزنه وقتها ذلك المنديل الذي كان يخفي خصلات شعرها الكستنائي فلم يبق من ذكرى له في القلب سوى اغنية لفيروز تتحاشاها جميع الاذاعات بسبب جمالها . حين كان تسير هادئة ثقيلة مثل جبل ... بل وأخف من فراشة صغيرة ... معلقا كان هو بجناحها .. الى أية جنة اسطورية تذهب به هذه المخلوقة الرائعة .. انها تبادله الحب مثل بساطتها .. ورغم فقر البيت الذي نشأت فيه ... فانها لم تكن اقل غنى في ثقتها بالنفس ، واعتزازها بتلك الثقة لم تكن اقل غنى من اية اميرة اسطورية اخرى او حتى اية دوقة ايطالية . وكم احس بضعفه امامها مثلما يرتجف العبد في حضرة سيده حين ألقت بكومة من الدبابيس الى قلبه ... ترى بأية نتيجة خرجت من هذا اللقاء – نعم بأية نتيجة .. اذا كانا متحابين ... متلهفين احدهما لرؤية الآخر ... فهذا مالم يعد عليه غبار منذ أيام المصادفات الاولى ... على سطح الدار ومن النافذة .. وفي الطريق المؤدي الى المعسكر .. ولكنه لماذا سيفترق عنها ... فليسكت لئلا تتسرب هذه الأسئلة المرتعشة الى سمع صديقه الوحيد ... آخر ماتبقى له من ذكريات الماضي فهذا يفخر ببلاهته في القضايا العاطفية ... ويرى في ارتباك هذا العاشق انحرافا ثوريا ً.. وقد تقرر أن يرحلا غدا ً .. لسبب هام ... ولكن الأنكى والأشد تحطيما ً للقلب من كل هذا ... هو ذلك الموعد الذي اتفقنا عليه قبل الرحيل بساعات من أجل ان يتبادلا شيئين اشبه بتعزية لهذا الافتراق المميت ... صورتها بصدرية المدرسة ... وعنوانه في وطنه الآخر .. حيث سيعاود من جديد سخرية التسكع اللآمتناهي على ارصفته المهجورة ..لقد ذهب ذلك الموعد ..ذهب مع الريح .. مثل ورقة خريف يابسة .. ولم يلتقيا ودار محرك السيارة .. واذا به فجأة ومعه صديقه في الحجرة ( ادناه كلمات غير واضحة) وسط --- الصحراء الفاصلة بين الاقليمين .. كل شئ تبدد الآن .. وانتهى وانقطعت آخر خيوط الرجاء المتبقية ، فقد حال بينه وبين تشبثه بآخر قشه .. جدار اسمنتي ضخم .. اسمه تقاليد العائلة .. فحين تمنع البنت من الذهاب الى مكان ما .. فانها تقف بين خيارين ... الالتزام بالمركزية الديموقراطية .. وهذا مايفخر به المجتمع القديم أي فخر ... او عبور ذلك الجدار الاسمنتي ... وهذا ماتترتب عليه أسوء النتائج .. وذلك اليوم الواحد .. ألم يكن بوسع هذا الابله ان يبقاه مثل سائر الايام المتبددة الاخرى الم يكن بوسعه خرق الاتفاقية المعقودة مع الحجرة ... فلنؤجل سفرنا الى غد ...ولكن لم َ كل هذا التعلق باهداب شئ .. لاطائل تحته .. انها صفقة خاسرة .. ومع انه يرغب الى حد ما أفلام المجازفات الثورية واتفق له ذات يوم ان يركض مع فوضوي آخر فوق عربات قطار ينطلق بسرعة 80 كيلو مترا في الساعة الواحدة ، وافلت اكثر من مرة من يد القانون وشرطة المباحث السرية .. ولكنه مع كل هذا لم يجازف هذه المرة .. اية مبادئ تحكم هذه اللآاستقرارات ودون ان يلجأ الى الكبريتة اشعل سيجارة اخرى من نار السيجارة السابقة .. واخذ نفسا ً عميقا ً .. " يالي من احمق .. ولماذا افكر الآن اذن بتكرار الفاجعة السابقة " ورغم اعتقاده شبه الجازم بأن ذلك الحب لم يقدر له ان يتكرر .. وانه كان فلته ، فحتى صوم ( د ) لشهر رمضان لم يكن سوى مراعاة لمشاعر العائلة لا اكثر .. وهي أيضا تثور في اعماقها على التقاليد القديمة ويذكر انها كانت تسميها شرقية ومتأخرة .. ولشدة ماشاع في ملامهحا الحزن المتكلم حين بادلها مزحة صغيرة بأن اسمها يدل على الغنج .. أي غنج هذا .. غنج التشريد وضياع الوطن .. أم وكالة الغوث .. أم المجازر .. فأخوها الأكبر يعاني من شلل في ساقه لسبب ثوري .. ومعظم افراد الاسرة مرتبطون بشكل او آخر بالمقاومة .. وهي لم يُسمح لها بالانتساب الى الجامعة .. وقد لا تجد لها نصيبا ايضا في مزاولة التعليم . انسانة هكذا يهمها .. بل يلح عليها ان تبادلك حديثا حول وضع المقاومة ومصيرها .. و ...و .. الخ من حيثيات المسألة ... انسانة هكذا تضيع لأنك مرتبط باتفاقية سفر ... يالقساوة الأيام .وهي أيضا ً ..وكيف لا .. كانت مثله تماما تملأ لفيروز في قلبها متسعا ً من الحب وكيف لا .. وهذه النبية الخجولة تذكرها .. بمهد الطفولة وأيام الوطن الاولى .. وكانت بيسان ...وبيسان موطن العائلة نفحا فيروزيا لايختلف اثنان من الفلسطينيين على حبه المفرط .وليس مدهشا ً ان تتناقل الأنباء الآتية من هناك بعد مايقارب نصف العام على ذلك اللقاء ان وحوشاتتقمص أشكالا بشرية .. وحوش بكل ما حري بهذه اللفظة أن تعنيه .. قد داهموا بيت (د) أكثر من مرة ..وانهم ( اسرتها ) عرضة لاستفزاز السلطات متى شاءت .وحتى تلك الرسالة ... لم يقدر لها أن تصل ... بسبب ضخامة ( الظرف الموضوعي ) والصغر المفرط للاشياء الذاتية .. أما الرسالة الثانية فكان من المستحيل أن تصل ... لأن الظرف الموضوعي كان أشد وأقسى ... وانه لم يعد أمام هذه الصعوبات العامة ..من تناول شئ خاص البتة .وهو يتذكر جيدا ً رغم الثلاثة أعوام المنقضية والتي هدر نصفها تقريبا ً متنقلا بين الرقم 26 و 14و29 وأخيرا 40 وتعرف وجوها عديدة وعاشر قوما مختلفين ، وحتى مارس لعبة حب مسلية وظريفة الى حد ما فلقد داهمته ذات يوم وقبل ان يقع في قبضتهم واحدة من بنات المدينة النحيفات ، ولقد خيل لنفسه أول الأمر انها ربما كانت هي .. هي بعينيها وشعرها ... والحزن الذي يوحي به هدوءها وبساطتها معا ً ... ولكن ليست هي بالتأكيد ف " د " ليست مغرية رغم انها رائعة .. وليست سهلة رغم انها تفيض بساطة وهي ليست كذلك ملساء الحديث رغم رقتها المتناهية ... ولكن على اية حال فجميع تلك المشاهدات او حتى المطارحات العاطفية كانت "اخس ؟ : الكلمة غير واضحة " من ان تكون حبا وابعد من ان تكون معبرة عن الصدق وخارجة من الاعماق .. ولعلها في احسن حال كانت طرق مسلية للذكرى ... وتشبثات يائسة بالماضي الميت . ولكم قضى من الوقت متجولا في محطة السيارات القادمة من مدينتها متشبثا متفحصا وجوه الركاب ..وربما سأل احدهم بكلمات واضحة :- قل لي بربك هل رأيت " د " او سمعت شيئا ً عنها .فبعينيه سأل كل شئ .. حتى ضجره كل شئ .. " الكلمات اعلاه غير واضحة ".. لقد استحالت جميع أحلامه بهذه المخلوقة التي ظهرت واختفت في حياته فجأة .. استحالت الى مايشبه الاسطورة " أبعد ؟ .. الكلمة غير واضحة "ثلاثة اعوام من الجهل المطبق والفراق الذي لا أمل " في حد له يجوز الا من لدنك : الكلمات غير واضحة " الخسران او حتى مجرد التفكير بأن ثمة قضية حب في البال .. بهذه اللوعة اليائسة افرغ شيطان الرفض المتربص به " .... كلمة غير واضحة " السلبية هذه .. وفي نفسه قال كما لو كان رجلا مهذبا ً ثقيل الظل :- حقا ً اني هاوي اساطير واذا كانت في تلك المأساة المغرية ثمة درس ثمين له .. افلا ينبغي على مثل من يتلقى ذلك الدرس ان يكف عن ممارسة اللعبة الجديدة وان يكون صارما مع عواطفه المكبوتة حد المقاومة .. فمن جديد تكاد تتكرر تلك الحماقة في حياته ... وانه يكاد ان يصارح سيده الفعلي المتزمت بأنه يريد ان يفعل ذلك ... ياصديقي " س " ان مدينة النذور القديمة لم تعد تتسع لأمثالك ...بهذه اللهجة التي هي على منتهى العطف والأسى واجهه الانسان العملي الملتصق بجميع ذراته بقشرة هذا الواقع والذي لما يزل يدور بانتظام حول قطبه الثابت صديقه واستاذه " م " .ان " س " الذي تكسر زجاج عواطفه الثورية على صخرة قوانين لا طائل تحتها.. وسرحت افكاره مع نسيم الحرية البارد .. يفتش الآن بحماس شعري عن " زهرة الغائط " ويلوك دونما ان يعير انتباها لوخز المنبه السمبثاوي ابعد العبارات عن ان تحظى باحترامه فيما مضى .. فماذا جرى .. لقد اقفلت المدينة ابوابها .. وكف المرفأ عن ان يستقبل السفن التائهة .. ولن نحترم بعد الآن قصيدة بلا قافية .. وحتى تلك البقية المتبقية من تشبثه ب " د " قد حسمتها الايام الراهنة .. فهو مقيد من كل اطرافه بسلسلة اخرى .. ومثل نهر لم يختر طريقه بعد .. ولم يدرك مصبه النهائي .. ليتعثر س في مدارات أيامه .. فماذا يضيع ..والى اين يسير .اول كانون ثاني 1974 .* اعدم الشاعر العراقي الشهيد رياض كمال الدين البكري في آب 1978 في بغداد وسلمت جثته الى اهله ودفن في النجف لا كما اشير الى انه قتل في بيروت ، والمعلومات قليلة في هذا الصدد. عمل الشاعر في صفوف الجبهات الفلسطينية وتنقل بين لبنان والاردن وسواهما .