رياض البكري

رياض البكري
صورته عام 1970

السبت، حزيران ٢٣، ٢٠٠٧

رسالة الى ميت 4 .. الى الشهيد رياض البكري

رسائل الى ميت
الى الشهيد الشاعر رياض البكري

خلدون جاويد

رسائل الى ميت 4

أكتب لك اليوم من المنطقة التي اعيش فيها ( هاملت اومغيذه ) اودعت ولدي الصغير 8 سنوات في قاعة للتدرب على تمارين الدفاع عن النفس .. سأنتظر ساعة علما بأن اوقات انتظاري في أي مكان مخصصة لك . اليوم هو 9/5/2001 الساعة الخامسة مساءا ... حول العشق والخوف . الموت لايخيف اذا احببنا حبا صادقا .وكذلك هي الحال بالنسبة للحلاج مثلا و ابن رشد و جاندارك وجيفارا وآلاف مؤلفة من الشهداء والمفقودين وها انت تلتحق بهم بل انت احدهم . انا مسكون بالسؤآل الكبير .. لماذا سبقتني انت بالعشق والموت ؟ فضلا عن كونك سبقتني ايضا بالشعر وعلمتني بحوره .... اتذكرك دائما ونحن نقتعد ارصفة الشوارع ونجلس تحت ظلال الجدران حيث المنعطفات الترابية البعيدة في منطقة الداوودي ..كنت اصغر مني سنا وكنت انا في السابعة عشر من عمري اصغي لك بانجذاب هائل . كل الذي كنت تقوله كان يتلبسني كالولادة والحياة والموت ’ اعني كقوانين الحياة .. موسيقى الشعر كانت تشكل في رأسي فوضى هائلة تماما اذا لم امتدح نفسي امتداحا رخيصا ’ كان رأسي مثل غابة نسقتها انت وحولتها الى بستان . كيف ومتى عرفت ميزان العروض ؟ انا منك لاغيرك سمعت بالفراهيدي وبعد ذلك بصفاء خلوصي وكتابه ميزان الذهب . وقد فخرت بك معلما لم يشعرني بأي تفوق . لقد رحت تربت على الأوزان بايقاع صوتك واصابعك وحركة قدمك .. تشعرني ان انتبه للتفعيلات ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن ) وهي تشكل بحر الرمل او البحر الراقص على حد تعبير الدكتور خلوصي والبحر الكامل ( متفاعلن نتفاعلن متفاعلن ) فعلمتني تمييزه عن الاول اذ كنتُ كتبت قصيدة تبدأ بأحدهما وتنتهي بالآخر ... لقد شددت من ازر ملكتي على ذلك وعشقي له ... وبعد اشهر وسنوات سألتك هل انت الآخر تتألم من هدهدات الأوزان والقصائد التي تتلاطم كعواصف الأمواج في الرأس ؟ .. انني اعاني الصداع... قلت لي انا اعاني الصداعين والصاعين . حقا لقد ظل الشعر لوثة العمر وصليبا على الظهر اتنقل به ويتنقل بي حتى غدوت بعدك اسما معروفا نوعا ما . ولو بقيتَ على قيد الحياة لكنت نجما رائع الحسن .. اشبهك بأجمل خلاصة شعرية لم يصل اليها شاعر الآ وهي انك خلاصة السياب ونازك ومظفر والكاظمي والنجفي ونزار ودرويش وفي صيغة ثورية حامية الوطيس ساحرة الألفاظ . يوم اشترى ( ستار ) جهاز تسجيل كبيرا كنا نستمع الى الاغاني الجديدة والشهيرة للمغني الصاعد فاروق هلال وحسين السعدي وسعدون جابر . ولأً‎ُم كلثوم في ( للصبر حدود ) وعبد الحليم في ( سواح ) . كانت بين جميع هذه الاصوات التي احبها لموهبتها الحقيقية ’ كانت قصيدة قرأتها انا بصوتي وهي لشاعر رمز لأسمه بحرفين ( ر ... أ ) منشورة في جريدة المنار او الجمهورية لا اتذكر’ ويبدو انك ارسلتها من فلسطين او لبنان عندما كنت تحارب من اجلهما وتحمل الرشاشة وتكتب الشعر تتحسس الفرح بالعمل وتحلم بالورد . كنتُ قد التقطتُ قصيدتك صدفة ولم اعرف انك ( ر... أ ) حتى جئت في زيارة خاطفة محفوفة بالمخاطر الى بغداد بهوية لبنانية ... مكثت في حجرتي لساعات وفي معرض الحديث قلت لك اسمع اجمل قصيدة قرأتها هذا العام وهي لشاعر ... الخ وانني سجلتها شغفا بها ... بعد استماعها ضحكت مني ومن غباوتي ! ففهمت من عينيك المخابثتين والمعنفتين في انك راء - الف لاغيرك . لقد كنت تخشى ان لاينشروا لك وانت صاحب هذا الاسم الخطير . بعد ان كنت تكابد عدم الظهور وكونك شاعرا مغمورا في عام 65 -66 ’ حدث لديك في ظرف 3 سنوات تطور هائل في المعنى والجدوى ’ في حب الجماعة على حساب اسمك فاخفيته من اجل قصيدة الناس . وانا اعلم ان اندفاعك الشعري كان نيرانا حامية احر من الجمر . كنت عندما ترسل قصيدة جميلة الى جريدة الجمهورية او الثورة او المنار تتأخر عن الظهور ’ وعندما نأتي ظهر كل يوم الى الباب المعظم والحيدرخانة كنا نشتري الصحف ونبحث عن قصائدنا ’ حتى انك كنت تغلي عندما لاتجد قصيدتك فتمزق الجريدة وتدوّسها باقدامك فكنت اخفف من غلوائك واهدأ اعصابك بكأس شربت زبيب مثلا ’من حاج زباله . واذا كنا جائعين نتناول الخبز الاسمر مع الجبن والشربت ومن ثم نمضي الى مقهى التيسير ذات الهدوء والوداعة حيث كان يجلس هناك الكثير من الشعراء جميل الكاظمي وقيس لفته مراد المتربع في زاويته كأنه نصف اله! وكذلك خالد يوسف واحيانا عبد الامير الحصيري وآخرون . والتيسير مقهى في شارع الرشيد ذاته’ على الجانب الايسر منه في حالة التوجه نحو الباب الشرقي ويقال انها كانت مقهى الرصافي بينما تقع قريبا منها مقهى الزهاوي في الركن من الشارع المؤدي الى القشلة .بالمناسبة يارياض تتذكر اننا قبل هذا الابتلاء بالسياسة وما يسمى بالانسلاخ الطبقي قبل جنونك بالماركسية وحبك للأنتماء لما هو ثوري وتحرري ’ باختصار قبل ان يأخذك ابو شاكر الى جنائن الحزب المعلقة وفيافي الجبابرة ’ قبل ذاك كنت انت وانا صديقين محبين لبعضنا وكنا لانشعر بالحسد او الغيرة من بعضنا مع ان اصحاب الصنعة الواحدة يتباغضون والامثلة عديدة منها المباغضة بين الرصافي والزهاوي ’كبرياء الجواهري ونفوره ومزاجيته العالية’وموقفه من السياب ( يفيدني صديقي واستاذي عبد الغني الخليلي بأن شاعر العرب قد جابه بالأهمال اللئيم شاعرا رقيقا كالسياب )... ولعل التاريخ هنا يذكر موقف الأستاذ النبيل مصطفى جمال الدين الذي زار السياب واطرى له رائديته واثنى على مكانته . هذه جملة اعتراضية .. اعود واقول ان الهجوم القلمي الذي نشر ضد (سعدي يوسف)وهو يعود الى وطنه في السبعينات ’ وفي ( الف باء )كان بقلم شاعر. ومااسوقه هو جزء من الامثلة العديدة الأخرىالتي تتناولها الصحافة اليومية ... كنا انت وانا صديقين حميمين لايزعزعنا الجمال الشعري ومن هو قائله بل كنا نقرأ لبعضنا البعض كل يوم واحيانا نقرأ آخر شطر او آخر قطعة شعرية وفوق ذلك قمنا بعقد صداقات مع شعراء من مختلف المناطق السكنية وكتبنا بيانا صغيرا ظهر في الملحق الأدبي لجريدة الجمهورية موقعا بأسمي الحقيقي ( ...... ) . وقد كنا نعقد اللقاءات الأدبية فيما بيننا وما هي الأ بضعة اشراقات حتى تدخل ابو شاكر وحطم الرومانسيين . فأخذك منا مع شاعر آخر وبقيت لوحدي مع اثنين من الشعراء متبرما وفي نهاية المطاف عاد هو ذاته وهدم آخر ماتبقى باعتبار ان هذا قومي الانتماء وهذا من عائلة بعثية وذلك ليبرالي .... لقد تهدم اللقاء الانساني الرومانسي العام بالتدخل الحزبوي ’ والذي كان بوقته وبالوعي المادي الجدلي بمثابة حالة صحية . ولو لم يكن ابو شاكر ماركسيا بل لو كان منتميا الى أي حزب في العراق ’ مهما تحدث بالديموقراطية ’ لفعل نفس الشئ وميّزنا شر تمييز .

ليست هناك تعليقات: